حلقة (5) برنامج معرفة الحق
الجمعة 8/7/2011م
" المدرسة النقدية الحديثة (2)
The School of Criticism (2)
(د. يوحنا زكريا)
(1) المضيف: مرحبا بكم أيها الأحباء المشاهدين في قناة الفادي، وفي الحلقة الرابعة من برنامج معرفة الحق. ومعنا القمص زكريا بطرس. مرحبا بك.
أبونا: وبك أيضا وبجميع المشاهدين الأحباء.
(2) المضيف: هل ترفع لنا طلبة في البداية؟
أبونا: (1) (صلاة: بسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين. قم يا رب، يا الله ارفع يدك، لا تنس المساكين" (مز10: 12) (2) اعتدنا أن تكون حلقاتنا مكونة من 3 فترات، ومن اليوم سنقتصر على فترتين: الأولى روحية، والثانية حوارية في مواضيع إسلامية. وذلك لنتيح فرصة أطول للمداخلات التي أعتز بها جدا. لأننا في كل مرة لم نستطع أخذ كل المشاركات الواردة لكل برنامج. وشكرا.
الفقرة الأولى
الرسالة الروحية (الخلاص)
(3) المضيف: في الفترة الأولى الروحية، هل يمكن تلخيص ما قلته في الحلقة الماضية؟
أبونا: (1) تكلمت أنه بدم المسيح ننال الخلاص من عقوبة خطايانا. (2) والواقع ان هناك أناسا كثيرين حتى من المسيحيين لا يدركون أن موت المسيح على الصليب كان كفارة لخطايانا، لخطيتي أنا وخطيتك أنت، (3) لقد مات المسيح بدلا منا لأننا كان محكوما علينا بالموت الأبدي، فجاء المسيح ومات عوضا عنا، عني وعنك، وبهذا تم غفران خطايانا لأنه مكتوب (عب9: 29) "بدون سفك دم لا تحصل مغفرة، فبسفك دم المسيح الطاهر تمت لنا نحن الخطاة مغفرة خطايانا. (4) فهل تؤمن أن المسيح مات من أجلك أنت شخصيا، وغفر خطاياك أنت شخصيا؟ إنه يحبك، ومات من أجلك لكي يغفر كل خطاياك. (5) وعلى هذا الأساس الإيماني نشترك في سر التناول المقدس.
(4) المضيف: هذا هو سر الحب الإلهي الذي ظهر في المسيح كما يقول بولس الرسول: (رو5:8) "الله بين محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا" ولكن هناك مشكلة كيف أحافظ على هذا الخلاص وأنا معرض للخطأ كل يوم؟
أبونا: هذا سؤال جوهري، وهو يأتي بنا للحديث عن الطريق الثاني للخلاص، وهو الخلاص بروح المسيح. (1) فالله يعلم أننا بشر ضعفاء، هذا ما جاء في (مز78: 39) "ذكر انهم بشر ريح تذهب ولا تعود" (2) وقال المسيح أيضا "اما الروح فنشيط واما الجسد فضعيف" (مت26: 41) (3) لهذا أرسل لنا المسيح روحه روح القوة ليقوينا في مواجهاتنا للعالم والشيطان والخطية. (4) فهذا ما أوصى به تلاميذه قائلا: (لو24: 49) "ها انا ارسل اليكم موعد ابي فاقيموا في مدينة اورشليم الى ان تلبسوا قوة من الاعالي (5) ولهذا كان بولس الرسول يصلي من أجل المؤمنين قائلا: في (اف3: 16) "بسبب هذا احني ركبتي لدى ابي ربنا يسوع المسيح .. لكي يعطيكم بحسب غنى مجده ان تتايدوا بالقوة بروحه في الانسان الباطن"
(5) المضيف: ما هو دور الروح القدس في حياة الناس عموما، وفي حياة المؤمنين بصفة خاصة؟
أبونا: دور الروح القدس يشتمل على: 1ـ عمل الروح القدس 2ـ ثمر الروح القدس 3ـ مواهب الروح القدس.
أولا: عمل الروح القدس هو: 1ـ التبكيت 2ـ التجديد 3ـ التأييد 4ـ التحرير 5ـ والتدبير.
ثانيا: ثمر الروح القدس: (غل5: 22و23) "محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان وداعة تعفف.
ثالثا: مواهب الروح القدس: (1كو12: 7ـ11) "لكل واحد يعطى اظهار الروح للمنفعة. فانه لواحد يعطى بالروح: 1ـ كلام حكمة، 2ـ ولآخر كلام علم بحسب الروح الواحد. 3ـ ولاخر ايمان بالروح الواحد، 4ـ ولاخر مواهب شفاء بالروح الواحد. 5ـ ولاخر عمل قوات، 6ـ ولاخر نبوة، 7ـ ولاخر تمييز الارواح، 8ـ ولاخر انواع السنة، 9ـ ولاخر ترجمة السنة. ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه قاسما لكل واحد بمفرده كما يشاء".
(6) المضيف: لو تسمح تكلمنا عن النقطة الأولى وهي عمل الروح القدس بالتفصيل.
أبونا: (1) قلت أن عمل الروح القدس هو: 1ـ التبكيت 2ـ التجديد 3ـ التأييد 4ـ التحرير 5ـ والتدبير
(2) أما بخصوص التبكيت: فقد قال السيد المسيح في (يو16: 7 و8): "لكني اقول لكم الحق، انه خير لكم ان انطلق لانه ان لم انطلق لا ياتيكم المعزي ولكن ان ذهبت ارسله اليكم. ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة" (2) فالروح القدس هو الذي يوبخ الخاطي على خطاياه، كما حدث عندما كان بطرس الرسول يعظ يوم الخمسين، أي يوم حلول الروح القدس على التلاميذ، يقول الكتاب المقدس في (اع2: 37 ـ 39) "فلما سمعوا نخسوا في قلوبهم وقالوا لبطرس و لسائر الرسل ماذا نصنع ايها الرجال الاخوة؟ فقال لهم بطرس توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس، لان الموعد هو لكم ولأولادكم و لكل الذين على بعد كل من يدعوه الرب الهنا".
(7) المضيف: ما معنى نخسوا في قلوبهم؟
أبونا: أي بكتتهم ضمائرهم.
(8) المضيف: يتساءل البعض عن الضمير هل هو الروح القدس؟
أبونا: هناك فرق كبير بين الضمير والروح القدس: (1) لهذا ينبغي أن نعرف ما هو الضمير أولا؟ (2) الضمير هو الرقيب النفسي الأخلاقي في باطن الإنسان (2) والواقع أن الله قد زود الإنسان به حتى إذا أخطأ يثور عليه ضميره ويبكته (3) ولهذا عندما أخطأ آدم وأكل من الشجرة كاسرا وصية الله، بكته ضميره وعرف أنه أخطأ فتوارى من وجه الرب. (3) ونلاحظ أن معايير الضمير تختلف من إنسان لآخر وتختلف من شعب إلى شعب (4) والواقع أن قيم الضمير التي يُقاس عليها أفعال الإنسان تختلف بحسب عوامل كثيرة: منها عوامل وراثية، وبيئية، والقيم السائدة في المجتمع الذي يعيش فيه الإنسان (5) فمثلا ضمير الإفريقي في بلاد آكلي لحوم البشر يختلف عن ضمير الأوربي المتحضر (6) فضمير آكلي لحوم البشر لا يبكتهم على قتل الناس وأكلهم، بينما يبكته على ممارسة الجنس خارج دائرة الزواج، ويحكم عليه المجتمع بالقتل معتبرا ذلك إهانة لشرف القبيلة. (7) أما في المجتمعات الأوربية والغربية عموما، فيحكمون على مرتكب جريمة القتل، بينما لا يعاقب العزاب على ممارسة الجنس، طالما هي باتفاق الطرفين.
(9) المضيف: هذا عن الضمير الأخلاقي، وماذا عن الروح القدس؟
أبونا: (1) الروح القدس يختلف عن الضمير (2) فالروح القدس هو روح الله (3) والقيم التي يبكت عليها هي وصايا الله المعلنة في الكتاب المقدس (4) والمؤمن يكون له ضمير صالح ليتصرف حسنا في كل شيء (عب13: 18) (5) أو كما عبر بولس الرسول قائلا: "وأما غاية الوصية فهي المحبة من قلب طاهر وضمير صالح وايمان بلا رياء (1تي1: 5) (6) وقوله أيضا: "ولك ايمان وضمير صالح الذي اذ رفضه قوم انكسرت بهم السفينة من جهة الايمان ايضا (1تي1: 19) (7) فالروح القدس يضرب أوتار الضمير فيتبكت الخاطي (8) ولا يتوقف عمل الروح القدس على التبكيت بل يقود التائب إلى صليب المسيح ليغتسل من جرم خطاياه ويصحح مساره الروحي.
(10) المضيف: كان هذا عن عمل الروح القدس في التبكيت، وماذا عن عمله في التجديد؟
أبونا: أولا: تجديد الطبيعة: (1) قال بولس الرسول: "لا باعمال في بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس" (تي3: 5) (2) فالروح القدس يجدد طبيعتنا الفاسدة ويعطينا طبيعة جديدة (3) قال بطرس الرسول في رسالته الثانية (2بط1: 4) "قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الالهية هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة"
ثانيا: تجديد الذهن: قال بولس الرسول: 1ـ في (اف4: 23) "وتتجددوا بروح ذهنكم وتلبسوا الانسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق. 2ـ وقال أيضا في (رو12: 2) "ولا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد اذهانكم لتختبروا ما هي ارادة الله الصالحة المرضية الكاملة"
(11) المضيف: كان هذا عن عمل الروح القدس في التجديد، وماذا عن عمله في التأييد؟
أبونا: (1) قال بولس الرسول (اف3: 14 و16) "بسبب هذا احني ركبتي لدى ابي ربنا يسوع المسيح. لكي يعطيكم بحسب غنى مجده ان تتايدوا بالقوة بروحه في الانسان الباطن (2) وقال المسيح: "لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم و تكونون لي شهودا في اورشليم و في كل اليهودية و السامرة و الى اقصى الارض".
(12) المضيف: كان هذا عن عمل الروح القدس في التأييد، وماذا عن عمله في التحرير؟
أبونا: معلمنا بولس الرسول يقول: (رو8: 2) "لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد اعتقني من ناموس الخطية و الموت" ويقصد بقوله "روح الحياة في المسيح يسوع" أي الروح القدس. فقوة الروح القدس تحرر من سلطان الخطية.
* أعطيت مثلا في حلقة سابقة عن قانون الجاذبية وقانون الحركة: الطائرة بوزنها، وركابها، وحمولتها، تتغلب على قانون الجاذبية بقانون الحركة التي ترفعها ضد الجاذبية. هب أن مائة رجل أخذوا يدفعون طائرة إلى العلاء فهل ينجحون في محاولاتهم لجعلها تحلق في الجو؟ كلا. فكلما ارتفعت الطائرة سقطت على الأرض بفعل الجاذبية الأرضية، وربما تهشمت أيضاً. ولكن عندما يدخل المهندس الطيار إلى مكان القيادة ويدير أزراراً معينة تندفع الطائرة في قوة جبارة لتحطيم قانون الجاذبية الأرضية وتتغلب عليه وتحلق في جو السماء.
وأعطي اليوم مثلا آخر: عن قانون الجاذبية والتغلب عليه، المسمار في النهر يسقك، إذا ثبتناه في قطعة من الخشب لا يسقط، لأن هناك قانونا آخر ضد قانون الجاذبية يدعى قانون الطفو. عندما نثبت في خشبة الصليب، يرفعنا فوق جاذبسية الخطية.
هكذا الحال معك يا مبارك فبدون قوة الروح القدس لن تتحرر من جاذبية الخطية، فإذ قد حصلت على سكناه في داخلك بالميرون عليك أن تضرمه بواسطة النعمة حتى ينطلق فيك قوة جبارة تحررك.
(13) المضيف: كان هذا عن عمل الروح القدس في التحرير، وماذا عن عمله في التدبير؟
أبونا: والتدبير (القيادة): "لأن كل الذين ينقادون بروح الله فاولئك هم ابناء الله" (رو8: 14)
(14) المضيف: ما هو دوري للتجاوب مع عمل الروح القدس في حياتي؟
أبونا: (1) الاستجابة الفورية لتبكيت الروح القدس، بتقديم التوبة الصادق، والاغتسال في دم المسيح. (2) طلب القلب الجديد والروح الجديد كما طلب داود النبي: "قلبا نقيا اخلق في يا الله وروحا مستقيما جدده في داخلي" (3) الامتلاء بالروح القدس ليؤيدني بروح القوة في إنساني الباطن. قل له: فرغني واملآني (4) الاتحاد الدائم بالروح القدس للتغلب على إبليس والتحرر من سلطان الخطية. (5) الخضوع لإرشاد الروح القدس من خلال تنفيذ وصايا الكتاب المقدس التي من خلالها يوجهني الروح القدس في طريق الملكوت.
(ملحوظة) أرى أن نرجئ الحديث عن بقية دور الروح القدس وهي: ثمر الروح، ومواهب الروح، للحلقات القادمة بمشيئة الله.
(15) المضيف: هل يمكن أن نأخذ بعض المداخلات؟
أبونا: بكل سرور
مداخلات
(16) المضيف: هل يمكن أن نخرج فاصل. أحبائي المشاهدين ابقوا معنا مع هذه الترنيمات المنعشة للنفس حتى نعود ثانية.
فاصــل
الفترة الثانية
الموضوع الحواري (المدرسة النقدية 2)
(17) المضيف: مرحبا بكم أيها الأحباء ثانية في برنامج معرفة الحق بقناة الفادي الفضائية. وهذه هي الحلقة الثانية من موضوع "المدرسة العلمية النقدية". هل يمكن أن تلخص لنا الحلقة السابقة عن المدرسة النقدية؟
أبونا: لقد تكلمت عن:
أولا: التعريف بالمدرسة النقدية، وقلت أنها المدرسة التي تستخدم المنهج العقلي الذي يطبِّق أدوات البحث العلمي الحديث، للتحقق من صحة النصوص للوصول إلى الحقيقة.
ثانيا: عن نشأة هذه المدرسة في الغرب:
(1) نشأتها في أوربا في القرن 17 الميلادي على يدي الفيلسوف ديكارت.
(2) وتطبيق معاييرها على الكتاب المقدس بواسطة سبينوزا الفيلسوف الهولندي ومن جاء بعده. (3) ثم تطبيقها أيضا على مصادر الإسلام: منذ القرن 12 الميلادي.
ثم تكلمت عن:
ثالثا: عن نشأة المدرسة النقدية عند العرب:
(1) وهي تتمثل فيما يعرف بـ "علم الكلام" أو "علم التوحيد"
(2) وتطبيق المنهج النقدي على علم الحديث والقرآن لكتَّاب كثيرين من كل بلاد الوطن العربي ذكرت منهم: الدكتور طه حسين في كتابه (في الشعر الجاهلي) ونصر حامد أبو زيد، وعبد الله القصيمي [السعودية] ...
(18) المضيف: وماذا ستقدم لنا اليوم؟
أبونا: سأكمل الحديث عن المدرسة النقدية، فأناقش: 1ـ أهمية المدرسة النقدية في الكرازة
2ـ والاعتراضات على هذا المنهج في الكرازة.
(19) المضيف: في الواقع يوجد بعض المسيحيين يتساءلون عن أهمية هذه الطريقة النقدية في الكرازة للمسلمين؟ قائلين: ألا يمكن أن تأتي بنتائج عكسية، فتنفرهم من المسيحية؟
أبونا: سوف أرد على هذه الأسئلة وغيرها موضحا الموضوع من خلال بعض الأمثلة: المثل الأول: زرع الأرض: (1) فإذا أردنا أن نزرع أرضا ألا نسويها أولا، ونزيل الأحجار التي فيها، ثم نحرثها بالمحراث لنشققها حتى تستطيع أن تقبل البذار، (2) والكتاب المقدس يقول في (اش28: 24ـ 26): ".. يحرث الحارث كل يوم ليزرع ويشق أرضه ويمهدها. أليس انه إذا سوى وجهها يبذر الشونيز [أي حبة البركة]. (3) فعملية الزرع يسبقها تمهيد الأرض وشقها لتتقبل البذار. وهذا ما يحدث في بذر كلمة الله في القلوب. (4) وجاء أيضا: في (ار1: 10) "انظر قد وكلتك هذا اليوم على الشعوب وعلى الممالك لتقلع ... وتغرس". فعملية الغرس أيضا لابد أن يسبقها قلع النبات الفاسد، حتى يغرس النبات الجديد، وهذا ما لابد أن يتبع في غرس كلمة الله المقدسة، فتقتلع التعاليم الفاسدة، لتغرس التعاليم المقدسة.
(20) المضيف: هذا مثل رائع، يذكرني بقول الكتاب عن السيد المسيح "وبغير مثل لم يكن يكلمهم" (مر 4: 34) فهل هناك أمثال أخرى؟
أبونا: مثل آخر: وهو بناء البيت: (1) إن أردنا أن نبني بيتا أفلا نحفر الأساسات أولا، ثم نشيد البناء الجديد؟ (2) ويستلزم ذلك القيام بهدم البيت القديم المتهالك، ليبنى على أنقاضه البيت الجديد. (3) هكذا الحال عندما نريد أن نبني بيتا للرب في كل قلب، ينبغي أن نهدم البناء القديم الفاسد. ولهذا قال الكتاب: في (ار1: 10) "انظر قد وكلتك هذا اليوم على الشعوب وعلى الممالك لتقلع وتهدم وتهلك وتنقض وتبني وتغرس". (4) فخطة الله توضح أنه لابد من الهدم قبل البناء، وهذا ما نلتزم بفعله لنبني بناء جديدا.
(21) المضيف: وهذا المثل يزيد الموضوع وضوحا، هل لديك مزيد من الأمثلة؟
أبونا: الأمثلة كثيرة، ويوجد مثل ثالث: وهو مشرط الجراح: (1) فإنه إذا اقتضى علاج المريض إجراء عملية جراحية واستخدام المشرط، أفيعتبر ذلك إساءة للمريض؟ (2) الله يريد أن يخلق قلبا جديدا في الإنسان، فلابد أن ينزع القلب القديم الفاسد. إذ يقول في (حز36: 26): "أعطيكم قلبا جديدا واجعل روحا جديدة في داخلكم وانزع قلب الحجر من لحمكم وأعطيكم قلب لحم" (3) إنها عملية جراحية لنزع القلب الديم وزرع قلب جديد. (4) وهذا ما يفعله الرب من خلال أسلوب النقد المنهجي الذي ينتزع كل ما هو قديم فاسد ليستبدله بالحياة الجديدة المقدسة.
(22) المضيف: وهذا مثل توضيحي جميل، هل بقيت تشبيهات أخرى؟
أبونا: أكتفي أخيرا بهذا المثل: الرابع: وهو عملية إفاقة المغمى عليه: (1) إذا أردنا إفاقة إنسان مغمى عليه، فهل يفيد أن نكلمه بكلمات هادئة لا تزعجه أو تقلقه؟ (2) أم أننا نستخدم وسيله تهزه وتفوِّقه، مثل رشِّ الماء على وجهه، أو لطمه بخفة على صدغه؟ (3) ولهذا نحن نستخدم أسلوب Short, Sharp, Shock لأفاقة الإنسان المغمى عليه ليعود إلى وعيه.
(23) المضيف: شكرا على هذه التشبيهات التوضيحية ولكن اسمح لي أن اصارحك بأنه تقوم ضد هذا المنهج النقدي في الكرازة عدة اعتراضات، الاعتراض الأول: هو هدم الإسلام، فيقولون أن هذا الأسلوب من شأنه أن يهدم الإسلام ليس إلا، وإذا هدم الإسلام يصبح المسلم ملحدا، فما رأيك؟
أبونا: (1) الواقع أنه إذا هُدم الإسلام نتيجة لمجرد النقد المنطقي، الذي يهدف إلى التحقق من نصوص الدين إن كانت على صواب من عدمه، فإن هذا يَدُلُّ على أنه ليس دينا من عند الله، لأن الذي من عند الله يثبت والذي من الشيطان يزول. فحق لمن يكتشف ذلك أن يتركه. (2) وإذا تركه إلى الإلحاد أفلا يعتبر ذلك أفضل من أن يتبع دينا يحرض على قتل أهل الكتاب حتى المسيحيين، علاوة على التحريض على الإرهاب والجنس والسرقة والنهب تحت مسمى الغنائم وإلى آخره، هذا من جهة. (3) ومن جهة أخرى: فإن الإلحاد يعتبر مرحلة متوسطة بعد الخروج من الإسلام، لأن التارك للإسلام لا يستطيع أن ينتقل إلى المسيحية مباشرة خشية القتل، فأن يصبح المسلم ملحدا فهذا لا يضير المسلمين شيئا، أما إذا عُرف أنه صار مسيحيا فسوف يواجه بسيف الإسلام وحد الردة. (4) ثم أن المسلم الذي يقتنع ببطلان الإسلام، يلزمه فترة للتفكير ودراسةِ غيره من الأديان، ليختار ما يراه صدقا وحقا. (5) ومن جهة ثالثة، فإننا لا نكتفي في خدماتنا بمجرد توجيه التساؤلات عن الإسلام بل نتعدى ذلك إلى تقديم رسالة الخلاص، وقبول المسيح لمن يقبل بإرادته ومحض اختياره.
(24) المضيف: أعتقد أن هذه إجابات مقنعة، ونأتي إلى الاعتراض الثاني: يعترضون أيضا بأن هذا الأسلوب فيه إهانة للمسلمين.
أبونا: (1) الواقع أننا دائما ما نوضح أننا نحب المسلمين ونحترمهم كخليقة الله وإخوة في الإنسانية. (2) وأن ما نفعله إنما هو بدافع المحبة لإخوتنا المسلمين ليعرفوا الطريق الذي يسيرون فيه، هل هو طريق الحق أم لا. (3) كما أننا نتحدث موضوعيا عن الإسلام وليس عن المسلمين. (4) فنحن لا نعيِّرهم أو نحقرهم كما يفعل القرآن مع المسيحيين في (سورة التوبة 29) "عن يد وهم صاغرون" أي أذلاء. (5) علاوة على أننا لا نفرض عليهم ترك الإسلام واعتناق المسيحية، أونعلن عليهم الجهاد والقتال، كما يفعلون هم في نفس (سورة التوبة 29) أيضا "قاتلوا الذين ... لا يدينون دين الحق [أي الإسلام] .. من الذين أوتوا الكتاب .." (6) فنحن نتكلم عن شخص المسيح، وهو موجود عندهم وفي كتبهم له منزلة عظيمة: من جهة ولادته الخارقة، وحياته، وقداسته ممسوحا من الأوزار، ومعجزاته، وصعوده إلى السماوات، ومجيئه في نهاية العالم حكما مقسطا ...إلخ. (7) ثم كيف تصرفت الكنيسة مع الهرطقات التي ظهرت على ممر التاريخ، هل تهاونت معها، وخافت أن تجرحهم، واكتفت بصداقة المهرطقين لتكسبهم؟ (8) ألم يقل الكتاب المقدس في (2يو1: 10و11) "ان كان احد يأتيكم ولا يجيء بهذا التعليم فلا تقبلوه في البيت ولا تقولوا له سلام. لأن من يسلم عليه يشترك في أعماله الشريرة. (9) ألم تحاكم الكنيسة آريوس الهرطوقي الذي طعن في لاهوت المسيح منكرا أنه الله المتجسد في شخص يسوع المسيح؟ ألم تنتقد تعاليمة الشيطانية وتفندها وترد عليها؟ وكانت النتيجة هي وضع قانون الإيمان النيقاوي نسبة إلى مجمع نيقية الذي انعقد فيه المجمع المسكوني الأول عام 325م. والذي يقول: "بالحقيقة نؤمن بإله واحد الله الآب ضابط الكل ... إلخ" (10) ونفس الموقف اتخذته الكنيسة من كل الهرطقات الأخرى كهرطقة نسطور الذي أنكر حلول الروح القدس في المسيح وهو في بطن أمه العذراء مريم، وهرطقة مقدونيوس الذي أنكر لاهوت الروح القدس، واعتبره مجرد ملاك. (11) أليس الإسلام هو محصلة هذه الهرطقات مجتمعة؟ (12) فكيف نتهاون نحن نسل أبطال الإيمان المدافعين عن الحق الإلهي، كيف نتهاون مع مجمع الهرطقات وتعاليم الشيطان الذي هو ضد للمسيح. (12) لهذا فإني لا أعتقد أن هناك أية إهانة للمسلمين في أسلوب النقد العلمي الذي نتبعه. وإنما نحن نناقش تعاليم الدين ذاته وليس الأشخاص. (13) فقضيتي هي ضد الإسلام بتعاليمه غير الإلهية، وليس ضد المسلمين المخدوعين في الإسلام، ليخلصوا وتكون لهم حياة أبدية.
(25) المضيف: هذا رائع، ولكن إن لم يكن كلامك ضد المسلمين فهم يقولون أن هذا الأسلوب فيه تجريح للمسلمين حتى لو لم يكن لأشخاصهم، وإنما تجريح الدين الإسلامي هو تجريح لمشاعر المسلمين.
أبونا: (1) ينبغي أن نميز بين التجريح للإهانة وبين النقد للتقييم. كما جاء في الموقع الإسلامي (القرآن دوت مكتوب):
http://quran.maktoob.com/vb/showthread.php?t=8867
(2) حيث يقول: "هناك فرق بين (النقد) و(التجريح)، وبين (النصيحة) و(الفضيحة)، وبين (الصدع بالحق) و(التحامل): (3) ونحن نقول أن ما نقوله ليس من باب التجريح، أو الفضيحة، أو التحامل، (4) بل هو من باب النقد، والنصيحة، والصدع بالحق. (5) وإني أعتقد أن هذا لا يثير حفيظة العقلاء.
(26) المضيف: يقولون أيضا أن هذا الأسلوب فيه شتم للمسلمين، مما لا يليق بالتعاليم المسيحية، علاوة على إثارته للمسلمين.
أبونا: (1) ينبغي أيضا أن نفرق بين النقد والشتم، كما جاء في موقع (الوحدة دوت كوم)
http://www.alwihdah.com/view.php?cat=1&id=80
(2) يقول الأستاذ عبد المتعال الصعيدي: إنه لما نزل قوله تعالى في(سورة الأنبياء98): « إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ [أي حطب] جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ» قال المشركون: لئن لم تنته عن سب آلهتنا وشتمها لنهجوَنَّ إلهَك. [ويعلق قائلا]: "والحق أن قريشاً قد خفي عليها الفرق بين نقد القرآن لعبادة آلهتها وبين شتمها" (3) وبناء عليه نقول إن أحباءنا المسلمين قد خفي عليهم الفرق بين نقدنا للقرآن والمصادر الإسلامية، وبين شتم المسلمين.
(27) المضيف: ويقول بعض المعترضين أيضا أن هذا الأسلوب فيه توبيخ للمسلمين.
أبونا: (1) الواقع أنه إذا شعر إنسان بالتوبيخ، فيكون هذا من فعل الروح القدس الذي قال عنه السيد المسيح في (يو16: 8) "ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة" (2) وماذا نقول عن توبيخ المسيح للكتبة والفريسيين (مت23: 13ـ 27) قائلا: "ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون .. [وبلغت عددها إلي 9 ويلات] فهل كان المسيح مخطئا. حاشا. (3) وماذا عن وصية الكتاب المقدس: (2تي4: 2) "اكرز بالكلمة .. وبخ انتهر عظ بكل اناة وتعليم" (4) أم أن لسان حال المعترضين ينطبق عليهم قول الكتاب المقدس في (اش30: 10و11) "كلمونا بالناعمات انظروا مخادعات حيدوا عن الطريق ميلوا عن السبيل .." (5) ولكن لنستمع إلى قول معلمنا بولس الرسول في (غل1: 10) " لو كنت بعد أرضي الناس لم أكن عبدا للمسيح" (6) فالتوبيخ هو وسيلة الروح القدس ليقود الإنسان إلى التوبة والخلاص.
(28) المضيف: يقول آخرون إن هذا الأسلوب قد جعل الشارع الإسلامي يلتهب فماذا نفعل لإطفاء اللهيب؟
أبونا: (1) الواقع أن هذا الالتهاب إيجابية مطلوبة، بحسب خطة المسيح الذي قال في: (لو12: 49) "جئت لالقي نارا على الأرض فماذا أريد لو اضطرمت" (2) وعلينا أن نطبق الحكمة الرائعة التي تقول "اطرق الحديد وهو ساخن" (3) المشكلة الحقيقية أننا بدأنا نطبق أسلوبا آخر غير أسلوب المسيح في الخدمة، (4) واختلطت بين أيادينا الأوراق، فلم نعد نميز بين اللطف والحزم، فاللطف مطلوب في مواقف معينة، والحزم حتمي في مواقف أخرى. (5) ولا يصلح أن نستخدم اللطف في الوقت الذي يستلزم الحزم ولا العكس، فكما يقول الكتاب المقدس في (جا3: 1) "لكل شيء زمان ولكل أمر تحت السماوات وقت" (6) فلابد من حدوث الإلتهاب والغليان، فكل هذه علامات صحية تدل على أن هناك تفاعلا يحدث في عقول الناس، كما يحدث في كل تفاعل كيميائي. (7) ولو نظرنا إلى هذه الاعتراضات من وجهة نظر كتابية لما وجدنا عيبا في استخدام هذا الأسلوب الحازم لكشف الباطل بتسليط نور الحقيقة. (8) ولن يبغض النور إلا العين المريضة، ولا يكون الحل هو إطفاء الأنوار لتستريح العين، بل المطلوب علاج فوري لأمراض العين لتستمتع بروعة النور الحقيقي.
(29) المضيف: في ختام هذه الفقرة الثانية من حلقة اليوم هل نطمع في تعليق عن المدرسة النقدية، وهدفك من طرحها واستخدام أسلوبها في كرازتك؟
أبونا: (1) عرضنا في هذه الحلقة والحلقة السابقة موضوع المدرسة النقدية التي تسلط أضواء البحث العلمي للتحقق من صحة النصوص القديمة بما فيها الكتب المقدسة، (2) وهذا يتمشى مع ما جاء في (جريدة الأهرام بتاريخ 11/5/2002م فى العدد 42159 فى باب: صندوق الدنيا الذى يشرف عليه الكاتب المشهور أحمد بهجت) عن الشيخ الدكتور عبد المعز عبد الستار وهو من الدعاة الذين يملكون الخبرة والتجربة، الذي أدلى بتصريح فى مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية الذى عقد فى الأزهر الشريف، تحت عنوان هذا هو الإسلام، فى الفترة من 16 إلى 18 إبريل سنة 2002م. فقد عرض الشيخ اقتراحه وهو أن تحاكم نصوص الكتب المقدسة بما فيها القرآن الكريم فيما تضمنته من أحكام وتوجيهات للمؤمنين بها ... [وأضاف] هذا الاقتراح أفضل كثيراً من محاورة الأديان أو حوار الحضارات. (3) والواقع أن تناولنا المصادر الدينية بما فيها مصادر الإسلام، بالنقد العلمي، ليس هو جريمة ضد الإسلام. (4) ولكن من حقنا أن نطبق مبادئ المدرسة النقدية العلمية على كل ما نقرأ للوصول إلى الحقيقة التي نسعى للوصول إليها بكل وسائل البحث. (5) وإني أطلب من الله أن يكشف لنا الحق لنتبعه، ويظهر لنا الباطل لنتجنبه. اسمع واستجب يا إلهنا الصالح آمين.
(30) المضيف: شكرا لتعب محبتك، هل يمكن أن نأخذ بعض المداخلات؟
أبونا: بكل سرور.
المداخلات
(31) المضيف: هل يمكن أن تختم لنا الحلقة بالصلاة؟
أبونا: آمين: (صلاة)
(32) المضيف: شكرا جزيلا أبونا، وشكرا لكم جميعا أيها الأحباء المشاهدين لتواجدكم معنا في هذا البرنامج، وإلى اللقاء في برامج قادمة.
أبونا: شكرا لك أيضا. وإلى اللقاء أيها الأحباء. سلام.